ظهور التشيع حسب الآراء
26-10-2023
Web Design
15 Comments
ويمكن أن نلاحظ أن الخلاف في مسألة توقيت ظهور المذهب الشيعي تحديدًا، يدور بين ثلاثة أنواع من الباحثين والعلماء، علماء الشيعة، وعلماء السنة، والمستشرقين ومَن نهج نهجهم من الباحثين المسلمين المعاصرين. وأن لكل فرقة من الفرق الثلاثة هدفًا وغايةً من وجهة نظرها.
علماء الشيعة وتأصيل التشيع في الإسلام الأول
بالنسبة إلى علماء الشيعة، فإنهم حاولوا قديمًا وحديثًا أن يثبتوا أن التشيع لم يكن أمرًا طارئًا على الإسلام، وأن الشيعة الأوائل ظهروا في عصر الرسول، ومن ذلك قول سعد بن عبد الله أبي خلف الأشعري القمي، إن «الشيعة، وهي فرقة علي بن أبي طالب عليه السلام، المسمون شيعة علي في زمان النبي، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود الكندي وسلمان الفارسي وأبو جندب بن جنادة الغفاري وعمار بن ياسر المذحجي، وغيرهم ممن وافقت مودته مودة علي عليه السلام، وهم أول من تشيَّع من هذه الأمة».
يتبع ذلك النهج عدد من أعلام الشيعة المعاصرين. منهم على سبيل المثال محمد حسين آل كاشف الغطاء الذي زعم في كتابه «أصل الشيعة وأصولها» أن «أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام صاحب الشريعة الإسلامية نفسه».
يُلحَق بذلك الزعم رأي آخر، وهو رأي ابن النديم، إذ يورد في كتابه الأشهر «الفهرست»، خلال تناول أحداث «موقعة الجمل»، أنه «لمَّا خالف طلحة والزبير علي رضي الله عنه وأبيَا إلا الطلب بدم عثمان بن عفان، وقصدَهُما علي عليه السلام ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر الله ، تسمَّى من اتبعه على ذلك الشيعة، فكان يقول شيعتي، وسماهم عليه السلام الأصفياء والأولياء وشرطة الخميس والأصحاب».
معنى ذلك أن ابن النديم يرى أن الشيعة لم يظهروا إلا وقت معركة الجمل في سنة 35 هجرية/655 ميلادية، وأنهم لم يكونوا موجودين على مسرح الأحداث قبيل هذا الوقت.
ففي هذا المكان نريد أن نسوق إليك جملة من الأخبار الصحيحة حول هذه المعركة، وبيان الدافع الذي أدى إلى اقتتال الصحابة الأخيار رضي الله عنهم.
- أولا: بويع علي رضي الله عنه بالخلافة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، وكان كارها لهذه البيعة رافضا لها، وما قبلها إلا لإلحاح الصحابة عليه.
- ثانيا: لم يكن علي رضي الله عنه قادرا على تنفيذ القصاص في قتلة عثمان رضي الله عنه لعدم علمه بأعيانهم، ولاختلاط هؤلاء الخوارج بجيشه، مع كثرتهم واستعدادهم للقتال، وقد بلغ عددهم ألفي مقاتل كما في بعض الروايات، كما أن بعضهم ترك المدينة إلى الأمصار عقب بيعة علي. وقد كان كثير من الصحابة خارج المدينة في ذلك الوقت، ومنهم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، لانشغال الجميع بالحج، وقد كان مقتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة، سنة خمسة وثلاثين على المشهور.
- ثالثا: لما مضت أربعة أشهر على بيعة علي دون أن ينفذ القصاص خرج طلحة والزبير إلى مكة، والتقوا بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، واتفق رأيهم على الخروج إلى البصرة ليقفوا بمن فيها من الخيل والرجال، ليس لهم غرض في القتال، وذلك تمهيدا للقبض على قتلة عثمان رضي الله عنه، وإنفاذ القصاص فيهم.
- رابعا: وقد اعتبر علي رضي الله عنه خروجهم إلى البصرة واستيلاءهم عليها نوعا من الخروج عن الطاعة، وخشي تمزق الدولة الإسلامية فسار إليهم رضي الله عنه.
- خامسا: وقد أرسل علي رضي الله عنه القعقاع بن عمرو إلى طلحة والزبير يدعوهما إلى الألفة والجماعة، فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال: أي أماه، ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت: أي بني الإصلاح بين الناس. وذكر ابن كثير أن عليا وصل إلى البصرة، ومكث ثلاثة أيام، والرسل بينه وبين طلحة والزبير، وأشار بعض الناس على طلحة والزبير بانتهاز الفرصة من قتلة عثمان فقالا: إن عليا أشار بتسكين هذا الأمر، وقد بعثنا إليه بالمصالحة على ذلك.
- سادسا: وإن أهم ما ينبغي بيانه هنا، ما كان عليه هؤلاء الصحابة الأخيار من الصدق والوفاء والحب لله عز وجل رغم اقتتالهم،
وإليك بعض النماذج الدالة على ذلك:
1- روى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح عن الحسن بن علي قال: (لقد رأيته - يعني عليا - حين اشتد القتال يلوذ بي ويقول: يا حسن، لوددت أني مت قبل هذا بعشرين حجة أو سنة).
2- وقد ترك الزبير القتال ونزل واديا فتبعه عمرو بن جرموز فقتله وهو نائم غيلة، وحين جاء الخبر إلى علي رضي الله عنه قال: بشر قاتل ابن صفية بالنار.
3- وأما طلحة رضي الله عنه، فقد أصيب بسهم في ركبته فمات منه، وقد وقف عليه علي رضي الله عنه، فجعل يمسح عن وجهه التراب، وقال: (رحمة الله عليك أبا محمد، يعز علي أن أراك مجدولا تحت نجوم السماء، ثم قال: إلى الله أشكو عجري وبجري، والله لوددت أني كنت مت قبل لهذا اليوم بعشرين سنة). وقد روي عن علي من غير وجه أن قال: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير وعثمان ممن قال الله فيهم: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين) [الحجر:47].
4- وقيل لعلي: إن على الباب رجلين ينالان من عائشة، فأمر القعقاع بن عمرو أن يجلد كل واحد منهما مائة، وأن يخرجهما من ثيابهما.
5- وقد سألت عائشة رضي الله عنه عمن قتل معها من المسلمين، ومن قتل من عسكر علي، فجعلت كلما ذكر لها واحدا منهم ترحمت عليه ودعت له.
6- ولما أرادت الخروج من البصرة، بعث إليها علي بكل ما ينبغي من مركب وزاد ومتاع، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات، وسير معها أخاها محمد بن أبي بكر - وكان في جيش علي - وسار علي معها مودعا ومشيعا أميالا، وسرح بنيه معها بقية ذلك اليوم.
7- وودعت عائشة الناس وقالت: يا بني لا يعتب بعضنا على بعض، إنه والله ما كان بيني وبين علي في القدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه على معتبتي لمن الأخيار، فقال علي: صدقت، والله ما كان بيني وبينها إلا ذاك، وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة.
8- ونادى مناد لعلي: (لا يقتل مدبر، ولا يدفف على جريح، ومن أغلق باب داره فهو آمن، ومن طرح السلاح فهو آمن). وأمر علي بجمع ما وجد لأصحاب عائشة رضي الله عنها في العسكر، وأن يحمل إلى مسجد البصرة، فمن عرف شيئا هو لأهلهم فليأخذه.
فهذا - وغيره - يدل على فضل هؤلاء الصحابة الأخيار ونبلهم واجتهادهم في طلب الحق، وسلامة صدورهم من الغل والحقد والهوى، فرضي الله عنهم أجمعين. I
من الممكن أن نوفق بين الرأيين باعتبار أن الوجود المعنوي الباطني للتشيع كان في زمن الرسول، ولم تبدُ له أي آثار مادية (حركية) إلا عند اشتعال المعارك بين علي بن أبي طالب وأعدائه من الخارجين على سلطته، فكان الصدام الذي حدث في موقعة الجمل، الموقف الأول الذي استدعى حدوث تغيير في طبيعة التشيع.
علماء السنة وتبديع التشيع
يتفق علماء أهل السنة والجماعة قديمًا وحديثًا على أن التشيع أمر طارئ وغريب على الإسلام، وأنه بدعة في الدين الإسلامي، ولم يوجد في عصر الرسول ولا في عصر خليفتيه أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب مَن عُرِفوا بالشيعة.
يرى ابن حزم أن أول ظهور للشيعة كان في أواخر عصر الخليفة الثالث عثمان بن عفان. يقول في كتابه «الفصل في الأهواء والملل والنحل»: «ثم وَلِي عثمان، فزادت الفتوح واتسع الأمر، فلو رام أحد إحصاء مصاحف أهل الإسلام ما قدر، وبقي كذلك اثني عشر عامًا حتى مات، وبموته حصل الاختلاف وابتدأ أمر الروافض».
إضافة إلى ذلك، حاول عدد من علماء السنة أن ينسبوا أصول التشيع الأولى إلى شخصية «عبد الله بن سبأ»، ويُعرَف في بعض الروايات بـ«عبد الله بن السوداء»، إذ كان يهوديًّا أصله من اليمن، ثم أسلم وحاول أن يثير الفتن بين المسلمين، لنجد أن عددًا من الروايات التاريخية تُحمِّله المسؤولية المباشرة عن اشتعال ثورة الأمصار ضد الخليفة الثالث عثمان بن عفان.
وهناك من يرى أن ابن سبأ أول من دعا إلى الغلو في شخصية علي بن أبي طالب، ونشر عدد من عقائد الشيعة الأساسية، مثل «الرُّجعة» و«الوصية» و«العصمة»، وبذلك فهو، من وجهة نظر أصحاب تلك الروايات، المؤسس الفعلي للمذهب الشيعي.
موقف المستشرقين
حاول بعض المستشرقين نسب التشيع إلى أصول غير إسلامية، فارسية أو يهودية، أو على ركائز صوفية غنوصية.
نجد أن قطاعًا كبيرًا من المستشرقين، خصوصًا في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، اعتقدوا أن التشيع يختلف في جوهره عن الإسلام التقليدي، إلى الحد الذي دعا واحدًا من كبار المستشرقين، وهو المجري «إيغناس غولدتسيهر» في كتابه «العقيدة والشريعة في الإسلام» إلى القول إن «الشيعة على وجه الدقة، المنطقة التي نبتت فيها جراثيم السخافات التي حللت وقضت على نظرية الألوهية في الإسلام».
إن عددًا من هؤلاء المستشرقين حاول نسبة التشيع إلى أصول غير إسلامية، إذ نسبه بعضهم إلى مؤثرات فارسية، وآخرون إلى مؤثرات يهودية، بينما اعتقد فريق ثالث أن التشيع تأسس على ركائز صوفية غنوصية.
من أشهر المستشرقين الذين اعتقدوا بالأصول الفارسية للتشيع، الهولندي «رينهارت دوزي»، في كتابه «ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام»، عندما أكد الربط بين المذهب الشيعي وبلاد الفرس التي «كانت مسرحًا لكثير من التخرصات الدينية، حيث التقت فيها أخلاط من المذاهب المختلفة وأمشاج من النِّحَل المتباينة، ووجدت في هذه البلاد حقلًا خصبًا لازدهارها». واعتقد دوزي أن إقبال الفرس على الانخراط في الدين الإسلامي واعتناقه بعد الفتح العربي لإيران، كان سببًا مهمًّا من أسباب ظهور المذهب الشيعي بصبغته الفارسية.
أما المستشرق الألماني «يوليوس فلهاوزن»، في كتابه «أحزاب المعارضة السياسية الدينية في صدر الإسلام»، فاعتقد أن التشيع ينسجم مع الشعب الفارسي، لذلك يقول إن «أراء الشيعة كانت تلائم الإيرانيين، فهذا أمر لا سبيل إلى الشك فيه، أما كون هذه الأراء قد انبعثت من الإيرانيين، فليست تلك الملاءمة دليلًا عليه».
متى ظهر المذهب الشيعي؟
الراجح أن الأدلة والشواهد إذا أخذناها مجتمِعة، دون تعصب مذهبي، فإنها تشير إلى أن المبدأ العام الجامع للمذهب الشيعي ظهر في عصر الرسول، وأعني بذلك المبدأ مجرد التشيع لعلي بن أبي طالب وتأييده والاعتقاد بأفضليته وأحقيته بخلافة الرسول، باعتبار هذا الموقف سياسيًّا في جوهره. لكن في نفس الوقت، ربما تكون تسمية الشيعة قد حدثت وفق تطور الأحداث السياسية في الدولة الإسلامية، وخصوصًا بعد مقتل الخليفة الثالث ومبايعة علي بن أبي طالب.
معنى ذلك، أن مصطلح «الشيعة» لم يأخذ دلالته الخاصة المميزة إلا بعد فترة لا تقل عن 20 عامًا بعد وفاة الرسول، والعقائد المميزة للمذهب الشيعي، مثل الرجعة والإمامة والوصية والعصمة والتقية والمهدوية، لم تظهر إلى الساحة الفكرية الشيعية إلا بعد وفاة علي بن أبي طالب نفسه بفترة طويلة.
إمامة علي وغدير خم
اخترعت الشيعة فكرة حصر الإمامة في أولاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحاولت توظيف كل شاردة وواردة لتعضيد خرافتهم المركزية.
ومن أغرب التحريفات قصة (غدير خم) التي يحتفلون بها سنوياً، ويجعلون منها “سوقاً” كبيراً لجلب التعاطف الشعبي، وتعبئة الأجناد خدمة لمشروعهم السياسي المدمر.
والقصة كما يرويها أصحاب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علياً بن أبي طالب لتخميس الغنائم التي جاء بها خالد بن الوليد من بعض أحياء اليمن، فخمّس علياَ الغنائم وأخذ خمس النبي واصطفى منه جارية، فاستنكر عليه بعض القوم ومنهم الصحابي بريدة بن الحصيب الأسلمي حتى شكاه إلى النبي فقال له النبي: (يا بُرَيْدَةُ، أتُبْغِضُ عَلِيًّا؟ فَقُلتُ: نَعَمْ، قالَ: لا تُبْغِضْهُ؛ فإنَّ له في الخُمُسِ أكْثَرَ مِن ذلكَ) (صحيح البخاري:4350).
وبينما هم في طريق العودة إذ استأذن منه أصحابه أن يركبوا على إبل الصدقة تخفيفاً على رواحلهم، فأبى أبو الحسن ذلك عليهم قائلاً: (إنما لكم فيها سهمٌ كما للمسلمين). (البيهقي، دلائل النبوة (٥/٣٩٨)).
وبينما هم في طريق العودة إذ أخذت أبا الحسن -رضي الله عنه – رياح الشوق لملاقاة النبي فأوكل إمرة القافلة إلى أحد أصحابه، وسبقهم إلى مكة، فلما لحقته القافلة إلى مشارف مكة استقبلها أبو الحسن فوجد أن القوم قد لبسوا ثياباً جميلة انتزعوها من بين الصدقات، ورغبت نفوسهم في الوفود على النبي بمظهر جميل، فاستشاط أبو الحسن غضباً، ووبخ صاحبه قائلاً: (وَيْلكَ! انْزِعْ قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ… فَانْتَزَعَ الْحُلَلَ مِنْ النَّاسِ، فَرَدَّهَا فِي الْبَزِّ.. وَأَظْهَرَ الْجَيْشَ شَكْوَاهُ لِمَا صُنِعَ بِهِمْ) (سيرة ابن هشام (4/603)).
وهنا تفجرت النفوس على علي رضي الله عنه ، بعد ثلاث مواقف مترادفة، حتى اشتكت طائفة من الجيش للنبي هذه الخشونة التي لاقوها من علي بن أبي طالب، فكان لا بد للحكمة النبوية أن تعالج الموقف الذي أبدى فيه أبو الحسن صرامة في التعامل مع المال العام، فوقف النبي وبيـّن لهم صوابية موقف أبي الحسن من المال العام ونزاهته، ثم أعاد الاعتبار لمبعوثه الذي غضب عليه الجيش بقوله صلى الله عليه وسلم: «من كنت مولاه فعَليٌّ مولاه» رواه النسائي والترمذي والحاكم وغيرهم وصححه الألباني. فبردت النفوس، وأقر الناس اجتهاد أبي الحسن.
حديث الغدير :
عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خُمٍّ، أمر بدوحات فقُمِمْن، فقال: «كأني قد دُعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله تعالى، وعِتْرتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يَرِدا عليَّ الحوض». ثم قال: «إن الله عز وجل مولاي، وأنا مولى كل مؤمن». ثم أخذ بيد عليٍّ رضي الله عنه فقال: «من كنت مولاه فهذا وليّه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه» رواه النسائي في الكبرى (8148)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1765)، والحاكم في المستدرك (4576). ونقل ابن كثير عن الذهبي تصحيحه، كما في البداية والنهاية 5/229. وقال الألباني: وهو حديث صحيح غاية
يقول بريدة رضي الله عنه: قال: «غزوت مع عليٍّ اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت عليًّا فتنقَّصته، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغيَّر، فقال: «يا بريدة ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قلت: بلى يا رسول الله. قال: «من كنت مولاه فعَليٌّ مولاه». رواه أحمد في المسند (22945)، والنسائي في خصائص علي رضي الله عنه (81)، والحاكم في المستدرك (4578). وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (5/228): “وهذا إسناد جيد قوي رجاله كلهم ثقات”. وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/1112).
وليس في الحديث أدنى إشارة للولاية السياسية التي يزعمها كهنة التفسير العائلي للإسلام، ولم يفهم أحد ذلك، لا علي بن أبي طالب ولا الصحابة الذين حضروا غدير خم، إذ القصة وردت في إعادة الاعتبار لموقف علي وشخصيته التي تعرضت لعاصفة من النقد الشديد، إزاء تصرفه مع الجيش.
و تذكر المصادر الشيعية أن الذي حضر هذه الخطبة 120 ألفاً من الصحابة – وهذا غير صحيح لأنها تمت بعد انصراف الناس من الحج- ثم تُعقّب السردية الشيعية بقولها، أن 11 من الصحابة هم الذين التزموا الوصية، وأقروا لعلي بالخلافة من بعد النبي!
وهنا تثور أسئلة منطقية:
– هل يعقل أن يتجاهل 120 ألفاً من الناس وصية النبي لأبي الحسن؟ وهم السبّـاقون إلى امتثال أوامر النبي؟!
– وهل يعقل ألا يخرج أبو الحسن بــــ 1% من الصحابة الذين حضروا غدير خم يؤيدون حقه في الخلافة؟
– وهل يعقل أن يصمت علي بن أبي طالب ويبايع الثلاثة من قبله (الصديق والفاروق وعثمان)، بل ويزوج ابنته من الفاروق، دون أية اعتراض؟
– بل إنه حين طعنه الخارجي ابن ملجم، طلب منه أصحابه أن يولّي عليهم ابنه الحسن، فأبى وتركهم كما تركهم النبي يدبّرون أمر ولايتهم بأنفسهم؟
– وهل يعقل أن تكون الوصية لعلي شِرعة سرمدية، ثم يتنازل عنها ابنه الحسن لمعاوية، وينزوي عنها الأئمة من بعده كزين العابدين والباقر، والصادق، والكاظم، وغيرهم؟
كل هذه الأسئلة لن نجد لها عند الشيعة جواباً، وما ثم إلا الأهواء والمطامع تعصف بهم.
وقد بقيت قصة الغدير غائبة عن التوظيف الشيعي حتى جاءت دولة بني بوية، فابتدعت الاحتفال بيوم الولاية في 18 ذي الحجة، قال المؤرخ المقريزي: (اعلم أن عيد الغدير لم يكن عيداً مشروعاً ولا عمله أحد من سالف الأمة المقتدى بهم، وأول ما عرف في الإسلام بالعراق أيام معز الدولة علي بن بويه، فإنه أحدثه في سنة (352هـ) ، فاتخذه الشيعة من حينئذٍ عيداً). الخطط للمقريزي (1/388).
ثم قلدهم الفاطميون في مصر، وقد نشأت في اليمن دويلات زيدية عديدة ولم تعرف الاحتفال بالغدير، حتى أدخلها القاضي أحمد بن سعد الدين المسوري في القرن الحادي عشر الهجري أيام إمامة المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم، كما ذكر ذلك شيخنا العلامة العمراني رحمه الله.
0 Comments
No comments yet.
Leave a Comment
© www.thdarimi.in. All Rights Reserved. Designed by zainso